عقد معهد دراسات المرأة في جامعة بيرزيت، بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية، ورشة عمل لنقاش دراسة صادرة عن معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) أجراها الباحث بلال فلاح تحت عنوان:" تقييم الامتثال لنظام الحد الأدنى للأجور في المحافظات الشمالية (الضفة الغربية)". وقد تناول الباحث في دراسته آليات تحديد الحد الأدنى للأجور ومدى تطبيق قرار الحد الأدنى للأجور في الضفة الغربية، كما تحدث عن أهم الأسباب الكامنة وراء ضعف تطبيق القرار بحسب ما تظهره البيانات مستعرضاً ما اقترحته الدراسة من توصياتٍ من شأنها، إن طُبِّقت، أن تعزّز الامتثال لقرار الحد الأدنى للأجور.
تلا ذلك تحليلٌ للدراسة شملّ أبعاداً ثلاثة: بُعد السياسات الاقتصادية، واقع سوق العمل وانخراط المرأة الفلسطينية فيه، بالإضافة إلى عرض إجمالي لنقاط الضعف والقوة في هذه الدراسة.
وقد تناولت أستاذة أيلين كتّاب البُعد المتعلّق بالسياسات الاقتصادية مشيرةً في البدء إلى أن مفهوم الحد الأدنى للأجور كان أحد الآليات التي جاءت بها الرأسمالية للتخفيف من التمايز الطبقي الذي أدّى إلى زيادة الاستقطاب الاجتماعي والاغتراب الاقتصادي بسبب تبنّي السوق كنموذج للتنمية عالمياً، وحتى في فلسطين؛ إذ ارتكزت السياسات الاقتصادية على النمو، وليس على التنمية، أو التنمية المستدامة. وفي السياق الفلسطيني، ما بعد اتفاق أوسلو، أشارت أ. أيلين إلى السياسات الاقتصادية الليبرالية التي تمّ تبنّيها والتي تعتمد على اقتصاد السوق وتهدف إلى النمو الاقتصادي المنعكس إيجابياً على نخبة من الرأسماليين بدلا من أن تهدف إلى التنمية الحقيقية التي يمكن أن تنعكس إيجابياً على أغلبية شرائح المجتمع، متناسيةً (السياسات) أننا تحت احتلال وفي مرحلة تحرر وطني. واعتبرت كتّاب أن الحد الأدنى للأجور في فلسطين هي آلية ترقيع للاقتصاد في بُنيته التابعة للكيان الصهيوني المشوّهة بنماذجه وسياساته الاقتصادية والتمويلية لأنه همّش القطاعات الاقتصادية الانتاجية، والزراعية تحديداً، ذات الأولوية في ظروف فلسطين الواقعة تحت الاحتلال وهي قطاعات أمكنها أن تلعب دوا هامّا في تعزيز الصمود. وتساءلت أ. أيلين كتّاب حول مدى نجاعة تطبيق قرار الحد الأدنى للأجور ومدى تحقيقه للعدالة الاجتماعية في ظل نظام اقتصادي اجتماعي يرتكز إلى اقتصاد السوق الذي يستثني عددا كبيراً من العمال، وبالأخص الشباب والنساء. فكيف “يمكن للحد الأدنى للأجور تخفيف الفقر عندما يكون الحد الأدنى منخفضاً كما هو في فلسطين لا يلبي حتى الحاجات الأساسية. ومن، وكيف، يعرّف الحاجات الأساسية للطبقة العاملة؟" وربطتّ كتّاب تساؤلها هذا بمدى قدرة هذا القرار على “تحسين ظروف المرأة العاملة في ظل سوق مبني على أساس التمييز ضد المرأة وفي ظل نظام اجتماعي عشائري أبوي تمثل فيه المرأة قوة عاملة احتياطية وغير مستقرة وتتركز في نشاطات اقتصادية يتم تأنيثها وبالتالي تتدنى أجورها فتصبح غير كافية لسد حاجات الأسرة وخصوصا إذا كانت هذه المرأة هي المعيلة الأساسية." فتحديد الحد الأدنى للأجور يرتكز على ديناميات اقتصاد السوق والمنافسة والعشائرية في سوق عمل محافظ وتقليدي فهو يرتكز على تقسيم العمل التقليدي ويعيد إنتاج عدم المساواة بين الجنسين في الأجور وفي فرص العمل. في المقابل، اعتبرت كتّاب أنّ الحد الأدنى للأجور هو إحدى الأدوات الاستراتيجية التي يمكن التصالح معها مرحلياً لمواجهة هذه الآثار التشويهية وتعديل بعض الاختلالات في سوق العمل الناجمة عن التمييز على أساس النوع الاجتماعي.
أما د. نداء أبو عوّاد، فقدّمت تحليلاً عاما لوضع النساء الفلسطينيات في سوق العمل وركّزت في عرضها على ارتباط قرار الحد الأدنى للأجور بالنوع الاجتماعي والتقسيم الجنسي لسوق العمل. فالنساء يتواجدن عموماً في أدنى السلّم المهني في الاقتصاد الرسمي وبالتالي هنّ في أدنى سلّم الأجور مقارنة حتى بالرجال، كما يتواجدن في الاقتصاد غير الرسمي بنسب عالية وهو اقتصادٌ لا يضمن حتى الحدّ الأدنى للأجور. واعتبرت أن تطبيق نظام الحد الأدنى للأجور يمكن أن يكون له أثر في تحسين أوضاع النساء، نظريّاً على الأقل، خاصة أن حوالي ثلث لنساء العاملات يتلقّين أجوراً أدنى من الحد الأدنى للأجور أخذاً في الاعتبار الفجوة في النوع الاجتماعي. إذ لا يمكن فهم تأثير الحد الأدنى للأجور على النساء بمعزل عن النوع الاجتماعي؛ فالنساء والرجال ينخرطون في سوق العمل بطرق مختلفة، بنشاطات مختلفة، وبالتالي تأثرهم سيكون مختلفاً وتؤكد الإحصاءات عملياً ذلك. وخَلُصت أبو عوّاد إلى أن تطبيق هذا القرار سيكون أكثر صعوبة في حالة النساء مما في حالة الرجال بسبب معيقات تتعلق بالثقافة والبُنية الاقتصادية ولكون شريحة كبيرة من النساء مهمّشة وغير مشمولة في قانون العمل.
أما أ. رلى أبو دحو فأكّدت في البدء أن الاحصائيات المتضمَّنة في الدراسة قد أخذت في الاعتبار مفهوم النوع الاجتماعي كما نفهمه. فقد شملت، إلى جانب الجنس (ذكور وإناث)، كلَّ التقاطعات والتداخلات الطبقية والجغرافية والقطاعات التشغيلية وما إلى ذلك؛ وهذه هي إحدى نقاط قوة الدراسة كونها أعطت لمحة حول موقع النساء في سوق العمل وأكّدت بقوّة وجود المرأة الفعلي في أدنى السلّم الوظيفي وفي قطاعات مهمّشة وغير ظاهرة على السطح. وركّزت أبو دحو على نقطة ضعف الدراسة المتمثّلة في كونها تبدو محايدة في علاقتها بالسياق الاقتصادي، تحديداً كاقتصاد فلسطيني خاضع وتابع وهامشي وسوق عمل غير مستقر في ظل الحالة الاستعمارية التي نعيشها. وتساءلت أبو حدو حول مدى جديّة قرار الحد الأدنى للأجور، خاصّةً أن تمثيل كل من القطاع الخاص والقطاع العام متساوٍ مع نقابات العمال في حين أن مصالح كل جهة غير متساوية على الأرض؛ فهل تضمن معادلة التمثيل هذه تطبيق القرار بشكل عادل؟! ورأت أ. رلى أبو دحو أن هنالك مشكلة في محدّدات الدراسة، رغم تفهّمها لمعيقات تعميم الدراسة، كونها مقتصرة على الضفة الغربية وتستثني سوق العمل الإسرائيلي كما تستثني سوق العمل في غزة حيث يعتبر وضع النساء فيها أسوأ بما لا يقاس. كما تساءلت أبو دحو حول مدى تمثيل النقابات لحقوق العمال الحقيقية، وبالأخص عند الحديث عن النوع الاجتماعي حيث أن تمثيل النساء، ليس فقط في النقابات العمالية، بل وحتى المهنية، وخاصة في صنع القرار، هو تمثيلٌ هزيل. وخلُصت إلى أن تطبيق نظام الحد الأدنى للأجور، رغم الإشكاليات التي تحيط به، هو جيد ويشكّل نوعاً من الحماية وهو مفيد للنساء في الحالة الفلسطينية.
في ختام الورشة دار نقاشٌ حول الدراسة من قبل المشاركين، والمشارِكات، تمحور حول آليات تطبيق القرار واكتشاف ومعاقبة المخالفين له ومدى تطبيق قانون العمل الفلسطيني وغيره من القوانين الفلسطينية في الأساس. ومن التوصيات التي رُفِعت من قبل الحضور تمكين الجهاز الإداري من القيام بدوره وتعزيز الشراكة والتكامل بين الشركاء الاجتماعيين وتوعية اصحاب العمل والعمال تحديداً وتوفير جماعة ضاغطة لتوفير الحماية الشعبية لفئات الشعب المسحوقة. بالإضافة إلى فرض دفع الأجور للعمال والموظفين من خلال شيكاتٍ ما يضمن ضبط تنفيذ قرار الحد الأدنى للأجور. وتوّجت التوصيات باقتراحٍ من إحدى المشارِكات بالعمل على تأسيس نواة صغيرة لمركز وطني للتنمية يتولّى التعامل مع المعلومات وتوظيفها ورصد الأموال الذاتية لها لتنفيذ التوصيات أو متابعة تنفيذها.