المؤتمر الثالث - أخبار

 

اليوم الأول:

قال نائب الرئيس للشؤون المجتمعية في جامعة بيرزيت د. منير قزاز إن مؤتمر الحكم والنوع الاجتماعي في عصر الإمبراطورية: مراجعة نظرية يأتي استكمالاً للنجاح الذي أحرزه المؤتمران السابقان اللذان نظمهما معهد دراسيات المرأة منذ عام 2009، حيث تدرّجت الموضوعات المطروحة للنقاش تصاعدياً من الفكر النسوي الفلسطيني كأداة للمقاومة مروراً بتشكّلات العنف في الواقع الفلسطيني في السياق الاستعماري ومن منظور النوع الاجتماعي؛ ليطرح المعهد في مؤتمره الحالي أسئلةً حول إمكانات الحكم وآلياته في بيئةٍ إشكاليةٍ بامتياز، حيث تتردد الاجتهادات في طبيعتها ما بين كونها استعماريةً أو ما بعد- استعمارية، بكل ما يحيط بها من توترٍ في مفاهيم الاقتصاد السياسي والقوانين والحقوق والعدالة والتخطيط الحضري، جاء ذلك في جلسة افتتاح مؤتم الحكم والنوع الاجتماعي في عصر الإمبراطورية الذي تنظمه معهد دراسات المرأة وشارك فيه عدد من الباحثات والباحثين وعدد كبير من المهتمين وطلبة الجامعة.

وأشاد د. قزاز بجدية والتزام جامعة بيرزيت، ومعهد دراسات المرأة بشكل خاص، بمراكمة جهود الباحثين والباحثات من مختلف المواقع الأكاديمية والمؤسساتية في اتجاه تطوير آليات تمكين المرأة الفلسطينية في المجتمع، سعياً وراء تأسيس مجتمعٍ يعترف بحقوق المواطنين جميعاً دون تمييز ويصون الإنجازات. لقد عوّدنا معهد دراسات المرأة في مؤتمريه السابقين على إتاحة الفرصة لمساحة واسعة من النقاش العميق والحوار البنّاء والنقدي. من هنا نتمنى لمؤتمركنّ النجاح في إثارة نقاش فعّال ومثمِر وإلى مزيد من الإنتاج الفكري المساهِم في عملية التغيير.

من جهتها رحّبت أ. لمى حوراني من مؤسسة "هينريش بل" الألمانية بالحضور متوجّهةً بالتحية لمعهد دراسات المرأة على مساهماته النظرية والعملية في تطوير الفكر النسوي الفلسطيني وخصوصاً ما يتعلّق بقضايا الديمقراطية وحقوق المرأة، وعلى استمراره في تنظيم مؤتمره السنوي كل عام منذ عام 2009. وعرّفت أ. لمى الحضور بمؤسسة هينريش بل وأهدافها ونشاطاتها وأكدت على اهتمام المؤسسة بقضايا الديمقراطية والجندر معتبرة أن المؤتمر في سعيه إلى فحص قضايا النوع الاجتماعي ومنظومات الحكم في سياقات استعمارية وما بعد- استعمارية، إنما يساهم في تعميق النقاش حول هذه القضايا النظرية ما بين المفكرين والمفكرات والناشطات والناشطين، سواء من الهند أو من فلسطين ومنطقة الشرق الوسط. كما أشارت إلى أن انعقاد المؤتمر هذا العام يأتي في ظل تغيرات سياسية كبيرة في المنطقة العربية وله تأثير كبير على قضايا الحكم والديمقراطية والتنمية ومن هنا يكتسب المؤتمر أهمية استثنائية في تناوله لمنظومات ومؤسسات الحكم القائمة في واقع فلسطين الاستعماري. وفي ختام كلمتها، تمنّت أ. لمى أن يكون المؤتمر مكاناً للنقاش والحوار الديمقراطي المبني على التحليل والنقد، ومكاناً للنقاش الحر بين الطلاب والباحثين والأكاديميين وممثّلي المؤسسات الحكومية والمحلية وغير المحلية التي تهتم بقضايا الديمقراطية من منظور النوع الاجتماعي.

وقدمت مديرة معهد دراسات المرأة د. إصلاح جاد كلمة، شكرت فيها كل من ساهم في التحضير للمؤتمر مرحّبة بالحضور معبرة عن سرورها لاستمرار المعهد في الحفاظ على استمرارية المؤتمر السنوي. وتطرقت للموضوعات التي تمّ نقاشها في المؤتمرين السابقين وأجواء الحوار النقدي التحليلي التي سادتهما.

ومن خلال كلمتها، قدّمت جاد نبذة سريعة عن المحاور التي سيتم تناولها في جلسات المؤتمر، الذي سيستمر على مدى يومين، وعرضت مجموعة من الأسئلة التي تتناول موضوع الحكم في السياق الاستعماري وما بعد الاستعماري فكان السؤال الافتتاحي حول مفهوم الحكم (أو الحاكمية)، مشيرةً إلى أنه مفهوم صعب التحديد والحصر في معنى واحد.

وقدمت تعريفاً عاماً يتناول مفهوم الحكم باعتباره عملية اتخاذ القرارات من مجموعات مختلفة من الناس وتأثير هذه القرارات على طرق خطّ حياة الناس (رجالاً ونساءً) وأساليب عيشهم كما طرق توزيع مواردهم. وأضافت "إذا كان مفهوم الحكم مرتبط بالاستقرار والأمن، فإن هذا المفهوم لم يرتبط بالاستقرار في المنطقة العربية"، وإنما ارتبط بكبت حقوق المواطن لضمان استقرار النظام. وتساءلت جاد: استقرار من في الدولة؟ وعلى حساب من يقوم مفهوم الحكم؟، ولماذا نتحدث عن النوع الاجتماعي في علاقته بالحكم ومنظوماته؟ كما طرحت تساؤلات حول الحكم الصالح في ظل الاستعمار وتبعية الدولة للغرب وإنكارها لحقوق المواطنين، بل وهضمها والاعتداء عليها.

تناولت الجلسة الأولى موضوع الحكم في السياق (ما بعد) الاستعماري: مقاربة من منظور النوع الاجتماعي، تضمنت مداخلة رئيسية قدمتها الخبيرة في مجال المساواة بين الجنسين والتغيير المؤسساتي د. أرونا راو عن دراسة مفهوم الهوية الاجتماعية بالتركيز على النوع الاجتماعي. وقالت راو أن المجتمعات قد منحت المجموعات الإنسانية حقوقاً وفرصاً على أساس الهوية الاجتماعية، لكن الاستعمار فاقم من وضع المرأة مشيرةً إلى أنها ستعتمد بالدرجة الأولى على تجربة الهند)، واقترحت نموذجا لتحقيق حقوق المرأة من خلال التغيير المؤسسي والتنظيمي ضمن مبادئ أكثر عالمية من المواطنة وحقوق الإنسان، وقدمت نموذجاً مفاهيمياً يدمج عمليات التغيير بأبعادها المتعلقة بالتحولات الفردية والنظامية، وكذلك بأبعادها الرسمية وغير الرسمية. وأشارت راو إلى أن ما تطرحه يمثل وجهة نظر ديناميكية للحكم بالمعنى الواسع.

وقدمت د. ريما حمامي من مؤسسي معهد دراسات المرأة في جامعة بيرزيت ورقة عمل حول منظومة الحكم الفلسطينية بين سياسات الحياة وسياسات الموت، وسعت من خلال ورقتها لطرح أسئلة حول مفهوم الحكم في السياق الفلسطيني وآليات الهيمنة التي تمارسها منظومة الحكم بمؤسساتها التي تنتهج خطاباً في إطار التنمية والحكم الصالح بدعوى منح الحياة. وقالت حمامي: أن منظومات الحكم تمارس أشكالاً مختلفة من علاقات القوة والهيمنة، مؤكِّدة على أن السياق السياسي يشكِّل سلوك الحكم وآليّاته وأن بُنى السيطرة غير ثابتة ويمكن التعامل معها من أجل مقاومتها وتفكيك علاقات القوة ما بينها.

وضمن الحديث عن مدخل للجلسة الثانية، اقتبست المحاضرة ومنسقة الأبحاث في برنامج دراسات التنمية في جامعة بيرزيت د. هديل قزاز عن برهان غليون مركِّزةً على أنه في غياب القانون لا يبقى حاكماً للمجتمعات إلا القوة.

واستعرضت أربعة تجارب يمكن من خلالها الانطلاق لنقاش مواضيع الجلسة الثانية والتجارب وهي: الاستعمار، الاستيطان اليهودي، حكم الأنظمة العربية التسلطية والأصولية الدينية.

وسرد مؤسس ومدير مركز عدالة أ. حسن جبارين لتاريخ النضال الحقوقي الذي خاضه فلسطينيو الـ 48، مستنتجاً أن هذا النضال كان له أكبر أثر في الفكر السياسي الفلسطيني وعلى الطروحات الرسمية الفلسطينية في مسألة الصراع، الأمر الذي أعطى شرعية لإسرائيل في الوجود، واعترافاً بكيانها، كما أسس لفكرة أن إسرائيل هي دولة ديمقراطية في نظر العالم، خالصاً إلى القول أن هذا يطرح التناقضات المركزية للنظام الإسرائيلي وأن هنالك إمكانية لنضال حقوقي تحت الاستعمار. وأشار جبارين إلى أن الحركة النسوية الفلسطينية في الداخل كانت لديها ذات إشكالية الهوية التي مرّ بها فلسطينيو الداخل.

من جهتها تحدثت الباحثة في القانون من معهد الحقوق في جامعة بيرزيت أ. ريم بطمة عن الإصلاح القانوني وتأثيره على عدالة النوع الاجتماعي ودراسة المشهد القانوني واستندت في مداخلتها على مشاهداتها في المحاكم الشرعية، في المحدِّدات والأشخاص الذين يعطون معنى للقوانين متسائلة عن مواطن القوة والضعف في المشهد القانوني الفلسطيني، واعتبرت البطمة أن عوامل القوة تكمن خارج هذا المشهد.

وتناولت ورقة أ. راجي الصوراني مدير وعضو مؤسس للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة حكم القانون في قطاع غزة، فقدّم تعريفاً لطبيعة هذا النظام بالغ التعقيد الذي خضع لتحوّلات كثيرة مستعرضاً أهم التشريعات التي تمس حقوق المرأة والتي صدرت خلال فترات الحكم المختلفة التي مرّ بها قطاع غزة بدءاً من عهد الإمبراطورية العثمانية، مروراً بالانتداب البريطاني ثم عهد الإدارة المصرية والاحتلال الإسرائيلي انتهاءً عهد السلطة الفلسطينية. وتناول صوراني أثر الانقسام في توحيد التشريعات ومطالب النساء متسائلاً في الختام فيما لو مازال في مقدورنا اعتبار القانون أداة فعالة للنساء في قطاع غزة.

وعقب على ذلك أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت د. إسماعيل الناشف موضّحاً أن تفكيك البُنية الاستعمارية تتطلّب منا الخروج من المقموع الذي فينا وقتله وبالتالي الخروج من إطار ما فرضه علينا المستعمِر. ورأى الناشف أن النضال الحقوقي هو إمكانية واحدة، لكنّ الحاجة تبرز للبحث عن الإمكانات الأخرى للقيام بحفريات تستكشف النشاط المقاوماتي لفلسطينيّي الداخل.

فيما تناولت الجلسة الثالثة ورقة عمل قدمتها الناشطة النسوية، والباحثة في قضايا حقوق المرأة د. كلياني مينون-سن: تحدثت فيها عن الاستراتيجيات التي اتبعتها الحركات النسوية في مجابهتها للعنف الممارس ضد النساء في الهند وارتباطها بالممارسة الديمقراطية، باعتبارها تمريناً ليس فقط للنساء وإما لجميع الفئات المهمّشة في المجتمع الهندي.

واعتبرت كلياني أن العنف يكتسب أهمية من كونه يمتلك قدرة على تسييس الفضاءات والخطابات المحايدة من خلال كشف الانقسام في النوع الاجتماعي والطبقة وبالتالي يؤدي إلى خلق علاقات تضامن وتحالف على هذه المستويات ليؤلِّف بين الحركات الاجتماعية للبقاء، للعمل ضد الأصولية ومن أجل الديمقراطية.

وتعرضت الباحثة وعضوة هيئة التدريس من معهد دراسات المرأة أ. آيلين كتاب في ورقتها للعقبات البنيوية التي يضعها الاحتلال -احتلال استيطاني استعماري - أمام التنمية، والتي تختلف بطبيعتها عن أي عقبات لاحتلال كلاسيكي. كما أشارت إلى أن سياسات السلطة الفلسطينية الاقتصادية والتنموية تفاقم من عملية حجز التطور الأراضي المحتلة، إضافةً إلى غياب الإرادة السياسية عند القيادة الفلسطينية التي تخلي الساحة لإسرائيل والفرصة في تعميق إعاقة التنمية. واعتبرت كتّاب أن السياسات التنموية والاقتصادية التي تنتهجها القيادة الفلسطينية في السلطة الفلسطينية هي سياسات تقود إلى مزيد من التبعية في ظل الاستعمار. وتساءلت أ. أيلين في ورقتها: هل استطاعت السلطة الفلسطينية فك ارتباط الاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد الصهيوني.

وسعى أستاذ العلوم السياسية والباحث من مؤسسة مدى الكرمل أ. مطانس شحادة من خلال ورقته إلى المساهمة في وصف وفهم الحالة الاقتصادية للنساء العربيات في إسرائيل عامة وفي ما يسمى المدن المختلطة في إسرائيل على وجه الخصوص، وذلك من خلال دراسة الحالة الاقتصادية للنساء العربيات في مدينة يافا (تل أبيب-يافا) منذ منتصف التسعينيات ولغاية الآن. ورأى أن الحالة الاقتصادية للنساء العربيات في يافا، تتأثر بعدة عوامل أهمها السياسات الحكومية المعمول بها تجاه النساء الفلسطينيات في دولة إسرائيل بشكل عام، وبخصائص الحيّز السكني الأول الذي ينتج الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للنساء الفلسطينيات، كما تتأثر من إسقاطات العولمة الاقتصادية - المغيبة لغاية الآن عن أبحاث الحالة الاقتصادية للنساء الفلسطينيات اليافاويات.

والجدير بالذكر أن المؤتمر سينهي جلساته الثلاث الأخرى غدا يوم الخميس بتاريخ 17 آذار 2011، وستتضمن هذه الجلسات مواضيع متنوعة حول : النوع الاجتماعي والحكم: مقاومة أم تأمين المحتل ؟، المجتمع المدني الفلسطيني: منظومة بديلة للحكم؟، تعميم منظور النوع الاجتماعي: تجربة النساء الفلسطينيات ضمن مؤسسات الحكم، وشهادات من "الشيخ جراح" حول استراتيجيات البقاء والمقاومة، والبحث عن الاجتماعي: الأسرى والفقراء في العقد الاجتماعي المستجِدّ في الواقع الفلسطيني ونقاش عام - الحكم من أجل التحرُّر، الاعتماد على الذات والعدالة للنوع الاجتماعي.

اليوم الثاني:  

بدأت فعاليات اليوم الثاني اليوم الخميس في 17 آذار 2011 بالجلسة الرابعة تحت عنوان النوع الاجتماعي والحكم: مقاومة أم تأمين المحتل؟ حيث قدمت مدخل إلى الموضوع وتعريف بالمتحدثين الزميلة في مركز دراسات التنمية: أ. ليندا طبر وكانت المداخلة الرئيسية تحت عنوان المجتمع المدني الفلسطيني: منظومة بديلة للحكم؟ قدمها الأستاذ المحاضر في جامعة بيرزيت أ. علاء العزة، فبدأ مداخلته منطلقاً من فكرة عدم الحاجة للربط ما بين الدولة بمفهومها السائد حالياً والمجتمع، وضرورة تفكيك مفهوم الدولة على المستوى المعرفي، كما على مستوى الممارسة الاجتماعية؛ فقد تجربة الانتفاضة الأولى، وغيرها من التجارب، أثبتت إمكانية المجتمع الفلسطيني على إدارة أموره دون الاعتماد على دولة الاحتلال أو على أي بُنية دولاتية.  ورأى العزة أن هنالك ضرورة لتفكيك مفهوم المجتمع المدني والخروج من شروط النموذج الدولاتي في الخطاب والممارسة السياسية الفلسطينية، وذلك بالعمل على المستوى المحلي (لفشل المشاريع الكبرى) وإعادة الاعتبار لمفاهيم التطوع والعطاء والمساواة في القرار الاجتماعي. ويقترح أ. العزّة تنحية مفاهيم عقلانية السوق وتبنّي خطاباً أخلاقياً ثورياً للممارسة واستثمار قوة الخيال الذي لا يعني الوهم وإنما تخيّل عالم آخر يمكن للأفراد أن يكون لهم دورٌ في بنائه العودة للمشروع الوطني الفلسطيني. 

وتحدثت في هذا الجلسة مديرة المرأة الفلسطينية للأبحاث والتوثيق أ. زهيرة كمال: انطلاقاً من تجربتها الذاتية في تعميم منظور النوع الاجتماعي، تناولت أ. زهيرة كمال تجربة النساء الفلسطينيات ضمن مؤسسات الحكم مشيرة في البداية إلى الصعوبات التي رافقت بداية عملها في مجال النوع الاجتماعي في الوظيفة الحكومية في النصف الثاني من عام 1995. حيث عينت في وزارة التخطيط والتعاون الدولي كما رافقتها هذه الصعوبات خلال نشاطها في المنظمات الأهلية أو في الوظيفة الحكومية. واحدة من الصعاب كانت عدم شيوع بعض المصطلحات من قبيل الحكم والنوع الاجتماعي واتهام النساء الداعيات إلى ضرورة تعميم النوع الاجتماعي بأنهن متغربنات "نسبة إلى الغرب" أو أنهن خاضعات لسياسات ممول أجنبي. وأشارت أ. كمال إلى أن تجربتها الجماهيرية في العمل النسوي وخبرتها المهنية في البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، حيث أسست وحدة المرأة في التنمية، قد رسّخا قناعتها بأن تعميم النوع الاجتماعي في عمل الحكومة يهدف إلى تحقيق تكافؤ في الفرص بين الرجال والنساء في المجتمع في مختلف مجالات الحياة بما يمكن من إعادة التوازن لعلاقات القوة بينهما في المجتمع، وما يتطلبه ذلك من سن قوانين جديدة أو تعديل تلك القائمة، وتصميم البرامج والمشاريع التي تأخذ بالاعتبار احتياجات كل من الرجل والمرأة ومشاركتهما في مختلف مراحل التخطيط واستفادتهما من عائدات هذه البرامج والمشاريع. واعتبرت أ. كمال أن تجربتها كوزيرة لشؤون المرأة نوفمبر 2003، كانت فرصة لها لوضع تجربتها العملية التي اكتسبتها في وزارة التخطيط وتطوير معرفتها النظرية في مجال النوع الاجتماعي والتنمية محل التطبيق. وعرضت رؤيتها لما تم العمل عليه من أجل ضمان تحقيق العدالة وعدم التمييز بين الرجل والمرأة وتحقيق درجة تنافسية مع آليات النهوض بالمرأة على المستوى الإقليمي سواءً من خلال وزارة شؤون المرأة أو المؤسسات النسوية.

وقدمت أ. بني جونسون الباحثة في معهد دراسات المرأة ورقة عمل حول البحث عن الاجتماعي: الأسرى والفقراء في العقد الاجتماعي المستجدّ في الواقع الفلسطيني، حيث أشارت في بداية ورقتها إلى أنها ومن خلال حدثين غير مترابطين في الظاهر - أحدهما مأساوي والآخر بيروقراطي- ستبحث في ما يربطهما بما سمّته "البحث عن الاجتماعي" حيث يرتبط أحد الحدثين بمحنة الفلسطينيين من المعتقلين السابقين والآخر بشبكة الأمان الاجتماعي الفلسطيني. ويدلّ الحدثان على أن الحكومة الفلسطينية تبتعد أكثر وأكثر عن تأمين الدعم والمساندة لمواطنيها وتحديداً المعتقلين السياسيين والفقراء.  اعتمدت أ. بني في ورقتها على ركيزة أساسية وهي إعادة تشكيل مفهوم العقد الاجتماعي الفلسطيني، كمفهوم متخيَّل وذي قوة مؤثرة حيث يتوافق السكان على النظام السياسي مقابل حماية الدولة وتقديم الخدمات لهم. واستنتجت جونسون في ختام ورقتها أن السلطة الفلسطينية تبدو عاجزة عن التوسط لدى إسرائيل لمصلحة الأسرى الفلسطينيين في القضايا الأكثر إلحاحاً بالنسبة لهم مثل العلاج الطبي وزيارات الأهل والأقارب، التعذيب وسوء المعاملة أو "الحرية". وأشارت إلى أن المؤسسات التي يفترض بها أن تكون مسؤولة عن المعتقلين السياسيين وعن عائلاتهم، سواءً كأشخاص محميين تحت الاحتلال، أو كمستعمَرين يتوجب على المستعمِر أن يتعامل معهم بحسب القانون الدولي أو كلاجئين يحصلون على الدعم من الأونروا أو كـ “مواطنين" لدى السلطة الفلسطينية؛ جميع هذه المؤسسات هي إما غير مسؤولة أو غير قابلة للرد على انتهاكات إسرائيل تجاه الفلسطينيين. وفي الختام أكدت جونسون على أن أي عقد اجتماعي لا يتعامل مع هذا الواقع بشكل مسؤول لن يكون كافياً لربط هؤلاء الناس بالدولة الناشئة أو الدولة الناشئة بالتزاماتها.

أما الجلسة الخامسة فقد تضمّنت شهاداتٍ حيّة حول استراتيجيات الحياة والبقاء والمقاومة من سيدات فلسطينيات يعشن في حي الشيخ الجراح في القدس، اللواتي تحدّثن عن المعاناة التي مررن بها جرّاء مضايقات المستوطنين لهم والاستيلاء على بيوتهن وطردهن هنّ وعائلاتهن. وتحدثت النساء الأربعة عن الممارسات التي يقوم بها المستوطنون ضد عائلاتهن بالتواطؤ مع شرطة الاحتلال وجنوده وحمايتهم. وأبدت النسوة في شهاداتهن قوة وشجاعة وإصراراً كبيراً على رفض هذا الواقع وعدم الرضوخ لممارساته الهمجية والعزم على الصمود والمواجهة. في ختام الجلسة تمّ تكريم السيدات المقدسيات القادمات من حي الشيخ جرّاح وقدّمت لهنّ د. إصلاح جاد، مديرة معهد دراسات المرأة، دروع التقدير والاعتزاز بشجاعتهن.

ودار نقاش عام في الجلسة السادسة والأخيرة حول الحكم من أجل التحرر، الاعتماد على الذات والعدالة للنوع الاجتماعي قدّمت له أ. لينا ميعاري وهي عضوة هيئة تدريس في معهد دراسات المرأة مشيرةً في البداية على ضرورة الوقوف عند كل عنصر من عناصر الحكم وسلّطت الضوء على أهم القضايا التي ناقشها المتحدثون خلال جلسات المؤتمر وركّزت على مُخرَجات هذه المداخلات والنقاشات التي دارت حول هذه الموضوعات، مؤطِّرةً إياها. وأثارت ميعاري بعض القضايا التي تربط بين جزء كبير من المداخلات طارحةً سؤالاً حول إمكانية جسر الفجوة ما بين ما يُسمّى بالمشروع الفلسطيني، (بما يعنيه من بناء مؤسسات الدولة)، وما سمعناه من شهاداتٍ من نساء "الشيخ جرّاح" التي تعكس مستويين: مستوى التعرّض لممارسات الاحتلال ومستوى المقاومة القادم من واقع المعاناة. كما أكّدت ميعاري على ضرورة تفكيك للعديد من المفاهيم التي أصبحت جزءاً من الخطاب المهيمِن في الواقع الفلسطيني (مثل خطاب التنمية الذي بات جزءاً من خطاب الهيمنة في الدولة المعاصرة وأداة من أدوات السيطرة على حيات الناس ومصائرهم). كما ركّزت ميعاري على ضرورة إعادة التفكير في أشكال أنظمة الحكم وعلاقتها بتشكيل ذواتٍ محدَّدة معتبرةً أنه لا يمكن التحرر من دون تحرير الذات المستعمَرة (بفتح الميم) والمقموعة. وأنهت ميعاري الجلسة بالقول بضرورة المقاومة كمشروع حياة.