الذات والسلطة: علاقة النوع الاجتماعي بالتفاوض في المؤسسة من واقع حالات مستخدمين فقدوا أعمالهم
سنة الإصدار: 2006
المؤلف/ة: محمد محمود عمر الخطيب
المشرف/ة: ريما حمامي
لجنة النقاش: أيلين كتاب وعبد الرحيم الشيخ
ملخص:
تهدف الدراسة لاستكشاف علاقة الجندر بالسلطة في المؤسسة، بما يؤدي لرؤية جديدة تتحدى الصور النمطية والافتراضات السائدة في الدراسات النسوية المحلية. وكذلك للإسهام في انطلاقة ميدان مُهمَل محلياً هو الجندر والمؤسسة، وفصله بمعنى ما عن الميدان الأم، ميدان الجندر والعمل.
حاولت الدراسة الإجابة على السؤال التالي: ما علاقة الجندر بالتفاوض داخل المؤسسة. وبشكل أدق: متى يبرز الجندر ومتى ينطمس في التفاوض داخل المؤسسة. والمقصود بالمؤسسة هو المؤسسة الأهلية أو الخاصة وذلك باعتبارها موقعاً للعمل. أما التفاوض فهو مجمل الصراعات التي تبدأ منذ تسلّم العمل حتى نهايته.
تستعرض الدراسة أدبيات الذات والسلطة والتفاوض في التنظير النسوي الليبرالي حيث ينطلق من أن النساء والرجال متساوون متشابهون في القيم والخصائص. لكن الصور النمطية والافتراضات المسبقة الشائعة في المجتمع تؤدي لتحيّز ضد النساء، وبالتالي لابتعاد النساء عن مصادر السلطة والقوة. ثم التنظير الراديكالي الذي ينظر للرجال والنساء كطبقتين متضادتين تاريخياً بالمفهوم الماركسي للطبقة، حيث تحرم وتضطهد الأولى الثانية، وتستأثر بمصادر القوة والسلطة. وصولاً إلى التنظير ما بعد الحداثي (ما بعد النسوي) الذي يتعامل مع مفهوم المرأة والرجل بشكل جدلي، فالجنس هو مجرد هوية من هويات متعددة للفرد ذاته، تكون مؤثرة في صراع ما، وأقل تأثيراً في غيره، وغير مؤثرة في آخر، فيما الذكورية ثقافة اجتماعية تصيب أفراد المجتمع على اختلاف الجنس والطبقة والوعي، وإن السلطة ليست شيئاً يُكتسَب ويُفقَد بل هي عملية تُمارس.
تعتمد الدراسة على أدبيات ما بعد الحداثة في مفاهيم الذات/ الجندر والسلطة، والتفاوض. حيث تقوم الدراسة على طرح نظري أساسي مفاده أن الذات ليست شيئاً ثابتاً جامداً، يمكن تصنيفه بسهولة على أساس ثنائي رجل / امرأة. بل إن الذات هي تمفصل لعدد كبير من الهويات المتفاعلة بينياً ومع المحيط الخارجي. هذه الهويات مثل الجندر، الجنسانية، العمر، والانتماءات الطبقية، والعرقية، والثقافية والاقتصادية والاجتماعية الأخرى. حين تتفاعل، لا تكون كلها بنفس الأهمية في كل التفاعلات بالضرورة.
ومن هنا تم الاستناد إلى نظرية المعدلات الظرفية كإطار نظري، والتي تقضي بأن هناك ظروفاً تبرز فيها الهوية الجندرية، وأن هناك ظروفاً تنطمر فيها الهوية الجندرية في العملية التفاوضية. الهويات مثل الجندر أو الطبقة تبرز بشدة في تفاعل معين، وتبرز على نحو هامشي في تفاعل آخر، وتنطمر في تفاعلت أخرى، أي أنه في تفاعل الذوات والهويات تنطمر هويات وتبرز هويات على نحو دائم التغيير. والتحليل قام على البحث عن هذين النوعين من الظروف.
من حيث المنهجية فقد تم الاستناد إلى 23 حالة دراسية من مستخدمين ومستخدمات فقدوا أعمالهم في مؤسسات أهلية أو خاصة وسردوا تجاربهم في العمل باستخدام أسلوب الوصف السردي حيث يتم طرح أسئلة مفتاحية عامة على المبحوثين ليسردوا قصصهم، ويكون تدخل الباحث مقتصراً على إعادة المبحوثين إلى المسار السردي إذا حادوا عنه، أو لطلب توضيح.
وكانت أبرز نتائج البحث كما يلي:
بينت الدراسة أن المبحوثين يعيشون في المؤسسة حالتين غير منفصلتين. في الحالة الأولى يختفي تأثير الجندر في التفاوض، وذلك من حيث خضوع كل المستخدمين باختلافاتهم الفردية لبيئة مركبة ومتداخلة من الرقابة، بحيث يحسّ المستخدمون أنهم مُراقَبون حتى في غياب رب العمل، مراقبون من زملائهم ومن ذواتهم. يحيون حالة شديدة من القلق خاصةً وأنهم يخضعون لقوانين ربّ العمل أساساً وليس لقوانين الدولة، ومن الواضح أن هذه القوانين وهذه الرقابة لا تستهدف أساساً جودة العمل والكفاءة بل إبقاء المستخدمين في حالة من التشوش والضياع والقرار بالضعف والهزيمة أمام ربّ العمل. ومن هنا يضطر المستخدمون غالباً للحصول على رواتبهم أو جزء من إجازاتهم من خلال الاستجداء والاستعطاف أكثر من المطالبة الحقوقية. وقد أوضحت الدراسة أن العلاقة بين المستخدمين وأرباب العمل ليست علاقة تعاقدية بين ندّين أحدهما يبيع جهده للآخر، بل هي علاقة إلحاق وتبعية وتشييء. مع العلم بأن الدراسة لم تلمس فرقاً يُذكَر بين توجّهات أرباب العمل الذكور والإناث تجاه المستخدمين. وقد أثبتت الدراسة أن كل المستخدمين ملزمون بحدود الزمن وفق ما يحدده ربّ العمل بغض النظر عن حاجة العمل أو حق المستخدمين. ومن هنا يندر وجود العقود، وإن توفرت تكون من نسخة واحدة ويندر حصول المستخدمين عليها وغالباً ما يجهل المستخدم مضمونها. وهم ملزمون كذلك بالأوامر بغض النظر إن كان لها علاقة بمهنة المستخدمين أم لا. وملزمون بأسلوب معين للتعامل مع ربّ العمل يقوم على إبداء الرضى تجاهه. وملزمون بحدود للمطالبة بالحقوق والاعتراض على الظلم بحيث لا تتم المطالبة بالحق فور استحقاقه بل لا بد من الانتظار قليلاً أو كثيراً، وإن تتم المطالبة بدافع الاحتياج لا الاستحقاق. كما أنهم ملتزمون بحدود للتعامل مع الزملاء بحيث يحظر أن يتبادلوا المعلومات حول أجورهم وزيادات الراتب ومن حصل على كذا ومن لم يحصل، كما يعتبر التضامن مع الآخرين سلوكاً يستحق العقاب وذلك بتأخير أو تبخيس أو إلغاء بعض الحقوق أو أنواعاً منها.
أما الحالة الثانية، فتنشأ على هامش الحالة الأولى. فهناك غموض في الرؤية حول كيف يمكن الحصول على الحقوق أو الاستمرار في العمل على الأقل، لأن الاستعطاف والاستجداء وحدهما غير كافيين فيبرز عدد من المحفّزات الجندرية. وتعتبر الجنسانية إحدى أبرز المحفّزات الجندرية، حيث تلعب الرغبة الجنسية لرب العمل من جهة ورد فعل المرأة المستهدفة دوراً أساسياً في التفاوض على المصادر. ومن المحفزات كذلك الصور النمطية الجندرية، خاصةً كون أن ممارسة النساء للتنظيف أمراً طبيعياً ويمكن أن تمارسه بالتالي في المؤسسة. ومن جهة أخرى فإن الرجال هم المعيلين لأسرهم وبالتالي يتم التحيز لهم في مجال الرواتب والزيادات وأحياناً لدى الاستغناء عن المستخدمين. وهناك نوع آخر من المحفزات هي الصور النمطية الذكورية والأنثوية، حيث تميل النساء للظهور بشكل متعاون ولين وأحياناً ضعيف فيما يميل الرجال باتجاه التأكيد على رجولتهم باعتبارهم جريئين. كما أن الدور الجماعي هو محفز جندري مهم، فعادةً ما تلجأ النساء للتنسيق مع الأخريات خاصةً بعد ترك العمل باتجاه السعي للحصول على حقوقهنّ، ولا يذهبن لنقابة إلا بعد الحصول على مشورة أو تشجيع من طرف آخر، وأحياناً يتم التنسيق والتضامن أثناء العمل. أما الرجال فغالباً ما يذهبون للنقابة من تلقاء أنفسهم ومباشرةً بعد ترك العمل. وهناك محفز جندري آخر هو موقع اشتداد الصراع، فغالباً ما يشتد الصراع بالنسبة للرجال أثناء العمل، أمّا بعد تركه فيتم استعمال اللين لأخذ الحقوق، وأحياناً يتم التفريط بها وعدم متابعتها. العكس يحصل مع النساء، حيث غالباً ما يمارسنَ اللين وروح التعاون أثناء العمل، ولكن غالباً ما تشتد حدّة الصراع بعد تركهنّ العمل وسعيهنّ باتجاه أقل خسارة ممكنة. وأخيراً، السياق التنافسي، ففي أغلب الحيان تطرح النساء أنهنّ يسعينَ بعد ترك العمل ليس لمجرد الحصول على تعويض مادي، بقدر ما يرغبنَ بإرغام رب العمل على الاعتراف ودفع جزء من حق كان يرفض الاعتراف به أساساً. أي إعادة الاعتبار لأنفسهنّ. أما الرجال فقلّما يشيروا لذلك وغالباً ما لا يتابعوا حقوقهم أو يلجأوا لوسائل تأتي بأكبر كم من المنافع.
تطرح الدراسة –بالحد الأدنى– التوصيات التالية:
- ينبغي على الدراسات النسوية المحلية الكفّ عن تقسيم الأفراد بشكل اعتباطي على أساس الجنس، ومن ثم البحث عن التباينات بين الجنسين في سياق محدد. لأن من شأن ذلك الفضاء إلى دراسة جنسية وليست جندرية. إن الدراسة الجندرية تقوم على أساس التعامل مع الأفراد بشكل عصي على التصنيف الصارم والحدّي، ومن ثم البحث عن الهوية الجندرية في السياق المحدد.
- ينبغي على المختصين في مجالات السياسات والتخطيط الجندري، الكفّ عن التعامل مع الفجوات الجندرية في سياق كمّي فقط. بل دراستها في إطارها الكيفي الأكثر تعقيداً، وواقعية في آن. والابتعاد عن الربط القسري بين الذكور والذكورية، وبين الإناث والأنثوية. فالعلاقة بين البيولوجي والثقافي ليست آلية، ولا حتمية.