أساتذة من جامعة بيرزيت، ومن معهد دراسات المرأة،  يشاركون في طاولة مستديرة في بيروت بعنوان " إنتاج المعرفة التحررية في سياق استعماري: فلسطين كحالة"

أساتذة من جامعة بيرزيت يشاركون في طاولة مستديرة في بيروت

شارك عدد من أساتذة جامعة بيرزيت في طاولة مستديرة عقدها مكتب تواصل المجلس العربي– فلسطين بعنوان "إنتاج المعرفة التحررية في سياق استعماري: فلسطين كحالة"، التي جاءت ضمن فعاليات المؤتمر الثالث للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية في العاصمة اللبنانية بيروت وجاء بعنوان "الدولة والسيادة والفضاء الاجتماعي في المنطقة العربية: قراءات تاريخية ومقاربات نظرية جديدة".

وترأست الجلسة رئيسة لجنة التوجيه الأكاديمي لمكتب تواصل المجلس العربي– فلسطين أستاذة علم الاجتماع في جامعة بيرزيت ايلين كتّاب التي قالت في افتتاحية الجلسة إن "الباحث الفلسطيني يعاني من أزمة في الهوية نابعة من عدة عوامل، أهمها عدم نقاء المرحلة السياسية، حيث تختلط فيها مرحلة تحرر وطني، ومأسسة مزيفة للدولة الفلسطينية المستقبلية على أجزاء من الضفة وغزة، محكمة بالإغلاق والحصار والجدار العنصري، إضافة إلى تقزيم فكرة الدولة إلى حكم ذاتي يعتمد كلياً على التمويل الخارجي ومسلوب من الاستقلال والسيادة، وأدى إلى اغتراب سياسي وثقافي لدى فئات واسعة من الناس بمن فيهم المثقفون والباحثون، واستبدلت العولمة قيمة المثقف والباحث النقدي أو الفكري أو العضوي أو المشتبك الذي مثله الشهيد باسل الاعرج الذي عبر عن مضمون كنفاني وجيفاري، استبدل بالتكنوقراط ومثقف السلطة، ورغم أن الوضع الحالي يشير إلى أسئلة كبيرة حول دور العلوم الاجتماعية في كشف ونقد وتحليل ما يحصل من مشاكل اجتماعية واقتصادية، ولكنه بنفس الوقت يواجه بتحديات منها تسليع التعليم، وضعف العلوم الاجتماعية، وغياب الحرية والديمقراطية، وكل هذه تشكل أسباباً جوهرية لعدم إنتاج معرفة تحررية وطنية تكون أساساً للتحرر، فمن المثقفين من تعولم وعمل داخل البنية السياسية، والأقل منهم تصدى للفكر المهيمن، لذا نتساءل هنا حول دور الباحث الاجتماعي وشكل المعرفة المطلوبة في السياق الاستعماري، لتكون علاقة بين الفكر والممارسة".

الشهيد باسل الأعرج نموذجاً

وتناول الباحث والمحاضر في جامعة بيت لحم وسام الرفيدي الشهيد باسل الأعرج نموذجاً للباحث والمثقف المشتبك مع قضايا شعبه حيث تساءل قائلاً: "كان باسل باحثاً، ومشتبكاً؟ بالتأكيد، وهذا ما يؤشر عليه نشاطه المحموم البحثي وتوثيق كل مظهر مقاوم، وإضافة إلى نشاطه التحريضي والثقافي بين المجموعات الشبابية، باسل لم يتوقف عن حدود الاشتباك المعرفي والثقافي، بل زاد عن ذلك، وتعداه إلى مديات ارحب، إلى اشتباك فعلي لقتال عدوه".

وأشار الرفيدي إلى خصوصية الباحث في فلسطين، حيث أكد أن الباحث المشتبك يخرج من البنى الاستعمارية من أجل نفي الاستعمار، وهذا يتثمل في رفض الحالة الاستعمارية، وفي رفض البنى السياسية، ما سيقود إلى سلسلة مواقف، ومنها مقاومة التطبيع، والانتصار للبنى الحزبية أمام العائلية والطائفية، والموقف من الممارسات الشعبية حتى لو كانت غير مفهومة على السطح، وهذا له علاقة بموقف المثقف الجذري بحسب تعبير الرفيدي.

 

كسر الحصار الفكري وإنتاج المعرفة

من جهته، قدم أستاذ الجغرافيا في جامعة بيرزيت عمر تسدال تجربة تدريس مساقين: الأول حول جغرافيا البيئة، وهدف المساق كسر العلاقة الاستعمارية حول الأرض، وكذلك كسر إنتاج المعرفة الجغرافية، التي تحتكرها شركة واحدة هي غوغل، حيث عمل المساق على جغرافيا البيئة من خلال مشروع مسح أراضٍ زراعية مهمة بيئياً في منطقة رام الله، وإضافة المعلومات إلى مشروع عالمي اسمه open street map، حيث يمكن إضافة وتعديل المعلومات عليه. المساق الثاني، هو الاستعمار في أمريكا الشمالية، وتحديداً حول السكان الاصليين، حيث إن محميات السكان الأصليين هي حيز جغرافي سياسي بامتياز، وكل طالب اختار محمية وعمل عليها بحثا، ولاحقاً قرروا إنتاج المعرفة بشكل أوسع، حيث وجدوا أن هناك مقالة على ويكيبيديا حول كل محمية إضافة إلى القوانين المهمة ذات العلاقة باللغة الإنجليزية، بينما هناك ضعف كبير في اللغة العربية، وقام الطلاب بترجمة وإضافة المقالات إلى موقع ويكيبيديا، وأصبح هناك أكثر من 30 إضافة، وبهذه الطريقة تتم المساهمة في كسر الحصار الفكري باستخدام وسائل تكنولوجية.

الإنتاج المعرفي في سياق الحركات المجتمعية

وأكد الباحث المؤسس في مرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية إياد الرياحي أن هناك إنتاجات بحثية ومعرفية تساهم في النضالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتقف في وجه السلطة، وترى أن استمرارها يتم عبر تهميش الفئات الفقيرة، مثل التقشف في قطاعات مثل الصحة والتعليم وتوفير فرص العمل، وصولاً لمحاباة ضريبية للأغنياء.

وأضاف الرياحي أن هذه السياسة تعكس سوداوية الحالة التنموية، كما تعكس رؤية الحكومات وليس فقط في فلسطين أن الفقراء عبء على عملية التنمية، وبسخرية خطاب أن القضاء على الفقراء هو أسهل من القضاء على الفقر، وهو إلى حد ما صحيح بتوجهات الحكومات".

وشدد على أهمية أهمية الأبحاث الذي تصطدم مع السلطة، والاحتلال، والمانحين، فكثير من المانحين على استعداد لدفع فاتورة السلطة ولكن دون دعم سياسي بالحصول على دولة، وبالتالي من المهم العمل على إنتاج معرفي موجه للتغيير المجتمعي ولكن بطريقة يتم طرحها بشكل قريب من الناس، وتأخذ أشكالاً مختلفة وبمواد مختلفة مثل الفيديوهات، وصور المعلومات، وأوراق الموقف، وتتحدث لغة الناس، وبما يعبر عنهم وعن قضاياهم.

إشكالية التعليم والاستعمار

وتناولت المحاضرة في معهد دراسات المرأة في جامعة بيرزيت أميرة سلمي إشكالية التعليم والاستعمار، حيث قالت إن "التعليم بالأساس هو مشروع استعماري -ليس كل المعرفة-، والهدف منه بناء نخبة مستعمرة، وإلى حد ما المسار الذي أخذه المتعلمون في مجتمعاتنا هو النضال لبناء دولة قومية، دون مساءلة فكرة قومية؟ ومن هم المواطنون أو الدولة؟ وما هي فكرة الفرد الحر؟"

وأضافت أن أقصى رغباتنا هي وجود كيان ودولة مثل الغرب، دون تحدٍّ أو مساءلة لكيفية بناء المشروع الحداثي للدولة، وذلك عبر علاقة تقسيم عمل عالمي، تمثل باستعمار ونهب الشعوب، وهنا يجب أن نسأل: هل يجب أن نصبح استعماراً حتى نلحق الغرب بنفس طريقة تطوره؟

 

العلوم الاجتماعية بين الالتزام المعرفي والالتزام المجتمعي

وتناول أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيرزيت أباهر السقا، تاريخية العلوم الاجتماعية في فلسطين التي بعكس مصر والمغرب ليست جزءًا من معرفة الاستعمار، ولم تحدث خلال الفترة الاستعمارية، والعلوم الاجتماعية رأت النور كنقيض للمشروع الاستعماري، وهذه خصوصية مهمة، والعلوم الاجتماعية ترى نفسها نقيضاً للمشروع الاستعماري، وبهذا المعنى، هي علوم أصلانية ولكن ليست أصلية، وهي علوم تفتح الاسئلة حول الأصالة والمعاصرة وعلاقة المعرفة مع الناس.

وأضاف أن إحدى المشاكل هي تشويه الواقع الاستعماري، حيث نعيش كمجتمع تحت احتلال، وما يحدث هو تشويه للحالة الاستعمارية بوجود دولة تحت الاحتلال، وينتج عنه التعامل مع فلسطين كحالة استثنائية لم تحدث في التاريخ، وهذا غير صحيح، فنحن أقرب إلى الجزائر وأمريكا الجنوبية، وهذا يعني أن المثقف الفلسطيني انتقل من حالة الاشتباك إلى حالة الانفكاك، وعليه الحصول على مساعدات وتمويل من الممول لكتابة الأبحاث، واستخدام كلمات مفتاحية معينة مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان.